الاثنين، 15 يونيو 2015

رَفعُ الغَين عمن ينكر ثبوت زيادة "وبركاته" في التسليم من الجانبين / للعلامة الشيخ محمد بن علي الإثيوبي


:قال الشيخ محمد بن الشيخ علي بن آدم الأثيوبي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، والصلاة والسالم على سول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد ، فهذه رسالة سميتها ( رفع الغين ، عمن ينكر ثبوت زيادة " وبركاته " في التسليم من الجانبين ) ، وما حملني على كتابتها إلا إنكار بعض الناس ذلك ، معتمدا على ما قاله بعض أهل العلم من أهل عصرنا أن زيادة ( وبركاته ) في التسليم الثاني غير ثابت ، وهذا القائل اعتمد على بعض نسخ سنن أبي داود ، دون أن يقابل النسخ الموجودة بين أيد الطلبة ، ويراجع الكتب الأخرى ممن أثبتوا ذلك في الجانبين ، فخشيت أن تنسى هذه السنة الثابتة ، لكثرة اعتماد أكثر أهل العصر على مثل هذا القائل ، ولثقتهم بعلمه ، ولا يدرون أن الخطأ يوجد في العلماء المحققين .

فأقول مستعينا بالله تعالى :
اعلم أنه ثبتت زيادة وبركاته في التسليم من الجانبين من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه عند أبي داود ، ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وابن ماجه ، وابن حزم في المحلى ، وعند عبد الرزاق في مصنفه موقوفا عليه ، وعنده عن عمار بن ياسر موقوفا عليه أيضا .





فأما أبو داود : فاختلفت نسخه ، ففي بعض الطبعات سقطت من الثانية ، وفي بعضها ثبتت فيهما ، وهذه هي النسخة الصحيحة عندي لما يأتي .

فأما النسخ التي ثبتت فيها فهي النسخة الهندية ، وتوجد في المكتبة المحمودية في المدينة النبوية ، ونصها (ج1 ص138) : ( حدثنا عبدة بن عبد الله ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه ، أنه قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ) .
والنسخة الثانية هي النسخة التي ضمن الكتب التسعة التي طبعت على منهج المعجم المفهرس ، وفيها إثباتها فيهما أيضا .

والنسخة الثالثة هي التي حققها عزت عبيد دعاس (ص607) وهذه النسخة يحتمل أن تكون مأخوذة من النسختين السابقتين ، أو إحداهما ، ويحتمل أن تكون نسخة أخرى ، والله أعلم .
وإنما قلت : إن هذه النسخ هي الصحيحة دون النسخ الأخرى التي لا تثبت الزيادة لأن الحفاظ المحققين نقلوا هذه الزيادة من سنن أبي داود فأثبتوها في الجانبين .
   


فمن هؤلاء المحققين :
الحافظ ابن حجر رحمه الله ، فقد نقلها في بلوغ المرام ، ونصه فيها : ( وعن وائل بن حجر رضي الله عنه ، قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " رواه أبو داود بإسناد صحيح ) .
وقال في التلخيص الحبير (ج1 ص271) _ ما نصه _ : 
( تنبيه : وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة " وبركاته " ، وهي عند ابن ماجه أيضا ، وهي عند أبي داود أيضا في حديث وائل بن حجر ، فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول : إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث أهـ .)



ومنهم الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله في كتابه المحرر (ج1 ص207) ، فإنه أثبتها فيهما وعزا ذلك إلى أبي داود .


ومنهم الحافظ المجتهد ابن دقيق العيد رحمه الله ، في كتابه الإلمام (ج1 ص110) ، فقد أثبتها في الجانبين ، وعزاها إلى أبي داود .


والحاصل أن اتفاق هؤلاء الثلاثة في إثباتها فيهما ، وعزوها إلى أبي داود يؤكد أن نسخة أبي داود التي فيها إثباتها في الجانبين هي النسخة الصحيحة ، وأساس النسخة التي كتب عليها الشراح فليست بصحيحة ، وبناء على ذلك قال الشارح صاحب المنهل (ج6 ص117) _ ما نصه _ : ( وبهذا تعلم استحباب زيادة " وبركاته " في التسليمة الأولى .. إلخ ) ، وكذا قال الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها في الأولى فقط ، وكل ذلك مما لا يلتفت إليه ، لما ذكرنا من الأدلة ، فتأمل , ولا تكن أسير التقليد ، فإنه ملجأ البليد ، والله الهادي إلى سواء السبيل .


وأما حديث ابن مسعود : فأخرجه ابن ماجه كما عزاه الحافظ في التلخيص ، وقال حقق شرح السنة للبغوي الشيخ شعيب الأرناؤوط _ ما نصه _ : ( وعند ابن ماجه في نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية زيادة " وبركاته " ، وقد سقطت بتحقيق فؤاد عبد الباقي ، وهي زيادة صحيحة نص عليها في التلخيص ) . أهـ (ج2/105) .


وقال العلامة الصنعاني في سبل السلام بعد نقل قول ابن رسلان : ( لم نجدها في ابن ماجه ) _ ما نصه _ : ( قلت : راجعنا ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة ، فوجدنا فيه ما نصه : " باب التسليم " حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا عمر بن عبي عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : " أن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده : بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " )(1) .أهـ كلام الصنعاني .


قال الجامع : فظهر بهذا أن نسخ ابن ماجه دخلها الخلل كما دخل نسخ أبي داود فتأمل ، والله أعلم .


وأخرج حديث ابن مسعود ابن خزيمة في صحيحه (ج1 ص3) ، فقال : أنا أبو طاهر ، نا أبو بكر ، نا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد ، وزياد بن أيوب . قال إسحاق : حدثنا عمر ، وقال زياد : حدثني عمر بن عبيد الطنافسي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (2) .


وأخرجه ابن حبان أيضا ، فقال في صحيحه (ج3 ص123) : ( أخبرنا الفضل بن الحباب ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ، وعن يساره ، حتى يرى بياض خده : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ) .



قال الجامع _ عفا الله عنه _ : هكذا في النسخة التي عندي بإثباتها في الثاني دون الأول ، وهذا أراه من النساخ ، بدليل أن الحافظ أبا بكر الهيثمي رحمه الله أثبتها في زوائد ابن حبان في الجهتين ، كذا الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير كما تقدم ، فتنبه .


وأخرجه أبو محمد بن حزم رحمه الله في كتابه المحلى (ج3 ص275) : قال : ( حدثنا حمام ، ثنا ابن مفرج ، ثنا ابن مفرج ، ثنا ابن الأعرابي ، ثنا الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، ومعمر ، كلاهما عن حماد بن أبي سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " ما نسيت فيما نسيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده أيضا " ) .
وأخرجه عبد الرزاق موقوفا عليه ، فقال في مصنفه : عن معمر ، عن خصيف الجزري ، عن أبي عبيدة بن عبد الله : أن ابن مسعود كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يجهر بكلتيهما (3) .



وأخرجه أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه موقوفا عليه ... قال : عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب : ( أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن يساره مثل ذلك ) أهـ (ج2 ص220)
قلت : ورجال هذا الإسناد ثقات .



وفي نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة " وبركاته " زيادة فردة ؛ ساق الحافظ رحمه الله طرقا عدة لزيادة " وبركاته " ، ثم قال : ( فهذه عدة طرق ثبتت بها " وبركاته " بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ _ يعني النووي _ أنها رواية فردة ) . أنتهى كلامه ، ونقله الصنعاني في سبل السلام (ج1 ص379) .


وقال العلامة الصنعاني رحمه الله _ ما نصه _ : ( وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة ، ففيها صحيح ، وحسن ، وضعيف ، ومتروك ، وكلها بدون زيادة " وبركاته " ، إلا في رواية وائل هذه ، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه ، وعند ابن حبان ، ومع صحة إسناد حديث وائل كما قال المصنف _ يعني الحافظ _ يتعين قبول زيادته ، إذا هي زيادة عدل ، وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها ) . أهـ كلامه (ج1 ص378) 


قال الجامع _ عفا الله عنه _ : 
خلاصة القول في هذه المسألة أن زيادة " وبركاته " ثابتة في التسليم من الجهتين ، فمن قبل زيادتها في التسليمة الأولى فليقبل زيادتها في الثانية أيضا لاتحاد الأدلة ، كما اتضح فيما تقدم ، والله أعلم ، وهو الهادي إلى الطريق الأقوم .



أسأله سبحانه أن يهدينا إلى اتباع سنة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، ويختم لنا بالصالحات ، إنه ولي ذلك ، والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه أجمعين . آمين .


كتبه وحرره
محمد بن علي بن آدم الأثيوبي
المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة
حرر في 13/6/1401 هـ



الحواشي :
    (1) 

وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (ج1 ص151) غير أن نسخته ليس فيها
 لفظة ( وبركاته ) ، وقد تقدم قريبا أن النسخة الصحيحة من ابن ماجه فيها الزيادة فتنبه .


  (2)
 رجاله ثقات ، وكذا ما بعده

(3)
 مصنف عبد الرزاق : المجلد الثاني ص219

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق